قوله تعالى: {أو كصَيِّبٍ من السمَاء}. أو، حرف مردود على قوله: {مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً} [البقرة: 17] واختلف العلماء فيه على ستة أقوال.أحدها: أنه داخل هاهنا للتخيير، تقول العرب: جالس الفقهاء أو النحويين، ومعناه: انت مخير في مجالسة أي الفريقين شئت، فكأنه خيرنا بين أن نضرب لهم المثل الأول أو الثاني.والثاني: أنه داخل للابهام فيما قد علم الله تحصيله، فأبهم عليهم مالا يطلبون تفصيله، فكأنه قال: مثلهم كأحد هذين. ومثله قوله تعالى: {فهي كالحجارة أو أشد قسوة} [البقرة: 74] والعرب تبهم ما لا فائدة في تفصيله. قال لبيد:تمنى ابنتاي أن يعيش أبوهما *** وهل أنا إِلا من ربيعة أو مضرأي: هل أنا إلا من أحد هذين الفريقين، وقد فنيا، فسبيلي أن أفنى كما فنيا.والثالث: أنه بمعنى: بل. وأنشد الفراء:بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى *** وصورتها أو أنت في العين أملحوالرابع: أنه للتفصيل، ومعناه: بعضهم يشبه بالذي استوقد ناراً، وبعضهم بأصحاب الصيّب. ومثله قوله تعالى: {كونوا هوداً أو نصارى} [البقرة: 135] معناه: قال بعضهم، وهم اليهود: كونوا هودا، وقال النصارى: كونوا نصارى. وكذا قوله: {فجاءها بأسنا بياتاً أو هم قائلون} [الأعراف: 4] معناه: جاء بعضهم بأسنا بياتاً، وجاء بعضهم بأسنا وقت القائلة.والخامس: أنه بمعنى الواو. ومثله قوله تعالى: {أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم} [النور: 61] قال جرير:نال الخلافة أو كانت له قدراً *** كما أتى ربَّه موسى على قدروالسادس: أنه للشك في حق المخاطبين، إذ الشك مرتفع عن الحق عز وجل، ومثله قوله تعالى: {وهو أهون عليه} [الروم: 27] يريد: فالإعادة أهون من الابتداء فيما تظنون.فأما التفسير لمعنى الكلام: أو كأصحاب صيب، فأضمر الأصحاب، لأن في قوله: {يجعلون أصابعهم في آذانهم}، دليلاً عليه. والصيب: المطر. قال ابن قتيبة: هو فيعل من صاب يصوب: إذا نزل من السماء، وقال الزجاج: كل نازل من علو إلى استفال، فقد صاب يصوب، قال الشاعر:كأنهمُ صابت عليهم سحابة *** صواعقها لطيرهن دبيبوفي الرعد ثلاثة أقوال.أحدها: أنه صوت ملك يزجر السحاب، وقد روي هذا المعنى مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وبه قال ابن عباس ومجاهد. وفي رواية عن مجاهد: أنه صوت ملك يسبح. وقال عكرمة: هو ملك يسوق السحاب كما يسوق الحادي الابل.والثاني: أنه ريح تختنق بين السماء والأرض. وقد روي عن أبي الجلد أنه قال: الرعد: الريح. واسم أبي الجلد: جيلان بن أبي فروة البصري، وقد روى عنه قتادة.والثالث: أنه اصطكاك أجرام السحاب، حكاه شيخنا علي بن عبيد الله.وفي البرق ثلاثة أقوال.أحدها: أنه مخاريق يسوق بها الملك السحاب، روي هذا المعنى مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قول علي بن أبي طالب.وفي رواية عن علي قال: هو ضربة بمخراق من حديد. وعن ابن عباس: أنه ضربة بسوط من نور. قال ابن الانباري: المخاريق: ثياب تلف، ويضرب بها الصبيان بعضهم بعضاً، فشبه السوط الذي يضرب به السحاب بذلك المخراق.قال عمرو بن كلثوم:كأن سيوفنا فينا وفيهم *** مخاريق بأيدي لاعبيناوقال مجاهد: البرق: مصع ملك، والمصع: الضرب والتحريك.والثاني: أن البرق: الماء، قاله أبو الجلد. وحكى ابن فارس أن البرق: تلألؤ الماء.والثالث: أنه نار تنقدح من اصطكاك أجرام السحاب لسيره، وضرب بعضه لبعض، حكاه شيخنا.والصواعق: جمع صاعقة، وهي صوت شديد من صوت الرعد يقع معه قطعة من نار تحرق ما تصيبه. وروي عن شهر بن حوشب: أن الملك الذي يسوق السحاب، إذا اشتد غضبه، طار من فيه النار، فهي الصواعق. وقال غيره: هي نار تنقدح من اصطكاك أجرام السحاب. قال ابن قتيبة: وإنما سميت صاعقة، لأنها إذا أصابت قتلت، يقال: صعقتهم أي: قتلتهم.قوله تعالى: {والله مُحيط بالكافرين}.فيه ثلاثة أقوال.أحدها: أنه لا يفوته أحد منهم، فهو جامعهم يوم القيامة. ومثله قوله تعالى: {أحاط بكل شيء علماً} [الطلاق: 12] قاله مجاهد.والثاني أن الإحاطة: الإهلاك، مثل قوله تعالى: {وأحيط بثمره} [الكهف: 42]والثالث: أنه لا يخفى عليه ما يفعلون.